فأهل البيت (عليهم السلام) هم أهل الذكر الذين أمرنا الله تعالى بالرجوع أليهم في قوله عزَّ وجلَّ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (1) وهم الذين إصطفاهم الله تعالى وأورثهم علم الكتاب في قوله عزَّ وجَّل ثم أورثنا الكتاب الذين إصطفينا من عبادنا (2) ولكل ذلك جعلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عِدْلَ القرآن والثقل الثاني الذي أمر المسلمين بالتمسك به فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
«تركت فيكم الثقلين كتاب ألله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا»(3) .
وفي لفظ مسلم كتاب الله أهل بيتي ـ أذكركم الله في أهل بيتي قالها ثلاث مرات(4) .
____________
(1) النحل: آية 43 تفسير الطبري ج14 ص 109 وتفسير إبن كثير ج 2 ص 570
(2) فاطر آية 32.
(3)أخرجه الترمذي في صحيحه ج 2 ص 329 والنسائي والإمام أحمد صحيح مسلم ج 2 ص 362 باب فضائل الإمام علي بن أبي طالب.
ومن المعلوم أن أهل البيت (عليهم السلام) كانوا أعلم الناس وأورعهم وأتقاهم وأفضلهم، وقد قال فيهم الفرزدق:
إن عُدّ أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل من خيرُ أهل الأرض قيل هُمُو
أسوق هنا مثالا واحداً للتذكيرِ بطبيعة الرابطة بين أهلِ البيت (عليهم السلام) والقرآن الكريم، فقد قال تعالى: فلا أقسم بمواقع النجوم. وإنه لَقَسم عظيم لو تعلمون عظيم. إنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون. لا يمسه إلا المطهّرون (1)
فهذه الآيات تشير بدون لبس إلى أن اهل البيت(عليهم السلام) ــ وعلى رأسهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ــ هم الذين يدركون معاني القرآن الغامضة، لإنا لو أمعنـّا النظر في ألقَسَم الذي أقسَم به رب العزّة والجلالة لوجدنا مايلي: إذا كان الله تعالى يُقسم بالعصر وبالقلم والتين والزيتون فعظمة ألقَسَم بمواقع النجوم بينه لما تنطوي عليه من أسرار وتأثير على الكون بأمره سبحانه، ونلاحظ تعزيز القسم في صفة النفي والإثبات، فبعد القسم يؤكد سبحانه: إنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون، والمكنون ما كان باطناَ ومستتراً، ثم يقول عّز وجـلّ: (لا يمسه إلا المطهّرون)، و(لا) هنا للنفي، ويمسه تعني يدركه ويفهمه وليس المقصود بها لمس اليد، فهناك فرقٌ بين اللّمسْ والَمسْ. قال تعالى إن الذين إتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون (2) وقال أيضاً عزّ مَنْ قائلوالذين يأكلون إلربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المَسْ (2) ، فالمس هنا يتعلق بالعقل والإدراك لا بِلمْسِ اليد، وكيف يُقسم الله سبحانه وتعالىبأن لا يلمس القرآن (باليد) إلا من تطهّر، والتاريخ يحدثنا بأن بعض الجبّارين قد عبثوا به ومزّقوه، وقد شاهدنا الإسرائيليين يدوسونه بأقدامهم ــ نستجير بالله ــ ويحرقونه عندما
____________
(1)الواقعة: آية 75 ــ 79
(2) الأعراف: آية 201.
(3) البقرة آية 275.
إحتلّوا بيروت في إجتياحهم سيء الصيت، وقد نقلت أجهزة التلفزة عن ذلك صوراً بشعة ومذهلة. فالمدلول لقوله تعالى وطهّرهم، أنه معاني القرآن المكنون إلا نخبة من عباده الذين إصطفاهم وطهرهم تطهيراً، والمطهَّرون في هذه الآية اسم مفعول أي وقع تطهيرهم، وقد قال عزَّ وجلّ (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)(1)
فقوله تعالى: (لا يمسّه إلا المطهّرون) معناه: لا يدرك حقيقة القرآن إلا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته (عليهم السلام)، ولذلك قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الإختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب إختلفوا فصاروا حزب إبليس»(2) .
وما يذهب إليه الشيعة في ذلك يستند إلى القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه واله وسلم المروية حتى في صحاح أهل السنّة كما وجدنا
من كتاب " ثم اهتديت " للتيجاني السماوي.
____________
(1) الأحزاب آية 33
(2) أخرجه الحاكم في المستدركج / 149 عن إبن عباس وقال هذا حديث صحيح الإسناد